فصل: الحكم الثاني: ما هي شروط القذف؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هي الإحصان؟

ورد معنى الإحصان في الشريعة الإسلامية لأربعة أمور وهي:
أ- العفة: قال تعالى: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} [المائدة: 5] بمعنى العفيفات من المؤمنات والعفيفات من الكتابيات.
ب- الحرية: قال تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} [النساء: 25] أي أن عقوبة الأمة المملوكة نصف عقوبة الحرة.
ج- التزوج: قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم} إلى قوله: {والمحصنات مِنَ النساء} [النساء: 23- 24] أي المتزوجات من النساء.
د- الإسلام: قال صلى الله عليه وسلم: «من أشرك بالله فليس بمحصن» فالإنسان يكون محصنًا بالعفاف وبالحرية وبالإسلام وبالتزوج وأشهر معاني إطلاق لفظ الإحصان العفة وهو المراد بالآية الكريمة فمن قذف شخصًا غير عفيف لا يحد باتفاق الفقهاء.

.الحكم الثاني: ما هي شروط القذف؟

للقذف شروط لابد من توفرها حتى يكون جريمة تستحق عقوبة الجلد، وهذه الشروط عديدة.. منها ما يجب توفره في القاذف ومنها ما يجب توفره في المقذوف ومنها ما يجب توفره في الشيء المقذوف به.
أما شروط القاذف فهي ثلاثة 1- العقل، 2- البلوغ، 3- الاختيار فإن هذه أصل التكليف، ولا تكليف بدون هذه الأشياء والآية الكريمة وإن لم تشرط إلا عجز القاذف عن الإيتان بأربعة شهداء {ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ولم تشرط العقل والبلوغ وعدم الإكراه، إلا أن ذلك من قواعد الشريعة التي عُلِمت من النصوص الأخرى فإذا قذف المجنون او الصبي أو المكره، فلا حد على واحد منهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق» وقال صلى الله عليه وسلم: «رُفعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ، وما استكرهوا عليه» أي ما أكرهوا عليه من الأقوال والأعمال. ولأن العقل مدار التكليف، والمجنونُ لا يعتد بكلامه فلا يؤثر قذفه.
أما إذا كان الصبي مراهقًا بحيث يؤذي قذفه فإنه يعزَّر تعزيرًا مناسبًا لكن لا يحد حد القذف لأن من شروط حد القذف البلوغ.

.الحكم الثالث: ما هي الشروط اللازم توفرها في المقذوف؟

ظاهر الآية الكريمة {والذين يَرْمُونَ المحصنات} يتناول جميع العفائف سواء أكانت مسلمة أو كافرة، حرة أو رقيقة إلاَّ أن الفقهاء شرطوا في المقذوف خمسة شروط وهي: 1- الإسلام، 2- العقل 3- البلوغ 4- الحرية 5- العفة عن الزنى وهذه الشروط يجب أن تتوفر في المقذوف حتىيقام الحد على القاذف وسنفصلها بعض التفصيل:
أولًا: أما الإسلام: فهو شرط لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أشرك بالله فليس بمحصن» وقد تقدم الحديث ومعناه على رأي جمهور العلماء: من أشرك بالله فلا حد على قاذفه، لأن غير المسلم المشرك لا يتورع عن الزنى فليس هناك ما يردعه عن ارتكاب الفاحشة إذ أنه ليس بعد الكفر ذنب، وكل جريمة تتصور من الكافر.
قال ابن العربي: ولأن عِرض الكافر لا حرمة له، كالفاسق المعلن لا حرمة لعرضه، بل هو أولى لزيادة الكفر على المعلن بالفسق.
ثانيًا: وأما العقل: فلأنَّ الحد إنما شرع للزجر عن الأذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل، فلا يحد قاذفه.
ثالثًا: وأما البلوغ: فالأصل فيه أن الطفل لا يتصور منه الزنى كما لا يتصور النظر من الأعمى، فلا يحد قاذف الصغير أو الصغيرة عند الجمهور. وقال مالك رحمه الله: إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفًا: وقال أحمد رحمه الله: في الصبيَّة بنت تسع يحد قاذفها.
قال ابن العربي: والمسألة محتملة مشكلة، لكن مالك غلْب عرض المقذوف، وغيره راعي حماية ظهر القاذف، وحمايةُ عرض المقذوف أولى لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. وصحح ابن المنذر الرأي الأول فقال: لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب ويعزر على الأذى.
رابعًا: وأما الحرية: فالجمهور على اشتراطها، لأن مرتبة العبد تختلف عن مرتبة الحر، فقذف العبد- وإنْ كان حرامًا- إلا أنه لا يحد القاذف وإنما يعزر لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال» ولأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعبير بالزنى. قال العلماء: وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس، وإنما لم يتكافئوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين، وتفسد العلاقة بين السادة والعبيد، فلا تصل لهم حرمة، ولا فضلٌ في منزلة وتبطل فائدة التسخير، حكمة من الحكيم العليم لا إله إلا هو.
وأما ابن حزم فقد خالف جمهور الفقهاء، فرأى أن قذف العبد يوجب الحد، وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية وقال: وأما قولهم لا حرمة للعبد، ولا للأَمَةِ، فكلام سخيف، والمؤمن له حرمة عظيمة، وربَّ عبد جلفٍ خيرٌ من خليفة قرشي عند الله تعالى أقول: رأيُ ابن حزم هذا رأي وجيه لو لم يصادم النص المتقدم الذي استدل به الجمهور والأحكامُ لا تؤخذ بالآراء، وإنما بما ثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله.
والحديث ثابت في الصحيحين فلا عبرة بخلافه.
خامسًا: وأما العفة: فهي شرط عند جميع الفقهاء لم يخالف في ذلك أحد وإنما اعتبرناها للنص القرآني الكريم {يرمون المحصنات} فشرطت الآية أن يكون المقذوف محصنًا أي عفيفًا، إذ غير العفيف قد يتباهى بالفسق والفجور، ويعتبر ذلك تقدمية والتمسك بالفضيلة والدين رجعية كما نسمع في زماننا هذا عن بعض الفاسقين الخارجين على الدين والأخلاق والآداب. ولأن الحد مشروع لتكذيب القاذف فإذا كان المقذوف زانيًا فعلًا فالقاذف صادق في قذفه، وإذا كان المقذوف مشهورًا بالمجون والدعارة فقد أوجد شبهة لقاذفه والحدودُ تدرأ بالشبهات فلا يحد القاذف. ولو زنى شاب في عنفوان شبابه، ثم تاب وحسن حاله ثم شاخ في الصلاح لا يحد قاذفه، لأن القاذف لم يكذب، وإنما يعزّر لأنه أشاع ما يجب ستره وإخفاؤه فكذلك لو قذف شخصًا مشهورًا بالفسق والفجور. ولكن ليس معنى عدم إقامة الحد في هذه الصور الخمس أن قاذف المجنون أو الصبي أو الكافر أو العبد أو غير العفيف لا يستحق عقوبة بل إنه يستحق التعزير ويبلغ به غايته لأنه أشاع الفاحشة، وقد حذّر الله تعالى منها بقوله: {إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة} [النور: 19] الآية.

.الحكم الرابع: ما هي ألفاظ القذف الموجبة للحد؟

تنقسم ألفاظ القذف إلى ثلاثة أقسام: صريح، وكناية، وتعريض:
أما الصريح: فهو أن يصرح القاذف في كلامه بلفظ الزنى مثل قوله: يا زاني، أو يا زانية، أو يا ابن الزنى أو ينفي نسبه عنه كقوله: لست ابن أبيك فهذا النوع قد اتفق العلماء على أنه يجب فيه الحد.
أما الكناية: فمثل أن يقول: يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة أو هي لا تردُّ يدَ لامس، فهذه لا تكون قذفًا إلا أن يريده، وتحتاج إلى توضيح وبيان.
أما التعريض: فمثل أن يقول: لست بزانٍ.. وليست هي بزانية، وقد اختلف العلماء في التعريض هل هو من القذف الموجب للحد أم لا؟ فذهب مالك رحمه الله إلى أنه قذف، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يكون قذفًا إلا إذا قال أردت به القذف.
دليل مالك:
استدل مالك بما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن: أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر: واللَّهِ ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار عمر في ذلك فقال قائل: مدح أباه وأمه وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد، فجلده ثمانين.
وقد حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة لما قال:
دع المكارمَ لا تَرْحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنتَ الطّاعمُ الكاسي

لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون.
قال القرطبي: والدليل لما قاله مالك هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرّة التي أوقعها القاذف بالمقذوف فإذا حصلت المعرة بالتعريض وجب أن يكون قذفًا وقد قال تعالى حكاية عن مريم: {ياأخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء. وعرّضوا لمريم بذلك ولذلك قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: 156] وكفرُهم معروف، والبهتانُ العظيم هو التعريض لها أي ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيا، أي وأنت بخلافهما وقد أتيت بهذا الولد.
دليل الشافعية والأحناف:
استدل الشافعي وأبو حنيفة بأن التعريض بالقذف محتمل للقذف ولغيره، والاحتمال شبهة والحدود تدرأ بالشبهات كما ورد في الحديث: «ادرءوا الحدود بالشبهات».
وقالوا: إن الله عز وجل قد فرّق بين التصريح والتعريض في عدة المتوفى عنها زوجها، فحرم التصريح بالخطبة، وأباح التعريض بقوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النساء} [البقرة: 235] الآية.
فدل على أنهما ليسا في الحكم سواء... وروي عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان: إحادهما أن التعريض ليس بقذف ولا حد فيه. والثانية: أنه قذف في حال الغضب دون حال الرضا.
ومما يدل على ما ذهب إليه الشافعية والأحناف ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها قال حمر، قال: فهل فيها أورق؟ قال: نعم، قال: فكيف ذاك؟ قال لعله نزعه عرق؟ قال: فلعل هذا نزعه عرق فلم يعتبر هذا قذفًا مع أنه تعريض بزنى الزوجة.

.الحكم الخامس: ما هو حكم قاذف الجماعة؟

اختلف الفقهاء في حكم من قذف جماعة على ثلاثة مذاهب:
أ- المذهب الأول: مذهب القائلين بأن يحد حدًا واحدًا وهم الجمهور أبو حنيفة ومالك وأحمد.
ب- المذهب الثاني: مذهب القائلين بأن عليه لكل واحد حدًا وهم الشافعي والليث.